توافق قرار الفائدة الأوروبية مع توقعات السوق التي ظهرت في الفترة الأخيرة مرجحة كفة خفض المعدلات الرئيسية مدعومة في ذلك بالآثار المتوقعة للتعريفة الجمركية والتدهور في النظرة المستقبلية للنمو في منطقة اليورو.
خفض البنك المركزي الأوروبي معدل الفائدة 25 نقطة الخميس في نهاية اجتماع إبريل لمجلس محافظي البنك المركزي، وهو ما توافق مع توقعات الأسواق التي أشارت إلى نفس المعدلات.
وأوضحت رئيسة البنك المركزي الأوربي كريستين لاجارد أن قرار خفض الفائدة استند إلى “سببين منطقيين”؛ هما الثقة الأقوى في تراجع التضخم بينما يتمثل السبب الثاني في “انعدام اليقين الاستثنائي” حيال التوترات التجارية.
بذلك تكون السلطات النقدية الأوروبي قد خفضت الفائدة للمرة الثالثة هذا العام لتستقر المعدلات عند 2.25%، وهو ما جاء على الأرجح استجابة للعوامل السلبية المتوافرة في الأسواق التي تتمثل في التعريفة الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدد كبير من شركاء الولايات المتحدة التجاريين.
ورغم النغمة التحذيرية التي سادت بيان الفائدة الصادر عن البنك المركزي وتصريحات رئيسته، أبدت لاجارد قدرًا من التفاؤل حيال خطط زيادة الإنفاق العام للاستثمار في البنية التحتية والدفاع، مرجحة أن هذه الخطط قد تلعب دورًا في دعم نمو المنطقة.
وأكد بيان الفائدة الصادر عن البنك المركزي الخميس أن “النظرة المستقبلية للنمو في منطقة اليورو تراجعت إلى حدٍ كبيرٍ نظرًا للتوترات التجارية. ويتوقع أن يؤدي ارتفاع درجة انعدام اليقين إلى تدهور ثقة قطاعي الأسر والشركات علاوة على ما يمكن أن يحدثه من رد فعل عكسي شديد التذبذب في الأسواق”.
ويبدو أن الوقف المؤقت للعمل بالتعريفة الجمركية المتبادلة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يمنع أن تتعالى أصوات أعضاء مجلس محافظي المركزي الأوروبي، التي عكسها خطاب السلطات النقدية ولاجارد، بالتعبير عن مخاوفهم الشديدة تجاه ما يمكن أن يترتب على هذه القيود التجارية من أضرار للاقتصاد.
في غضون ذلك، انخفضت جميع المؤشرات الرئيسية للتضخم في منطقة اليورو، مما سمح للبنك المركزي بخفض الفائدة. وقال البنك المركزي إن “تضخم الخدمات، الذي ظل مرتفعًا بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، قد تراجع بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، بينما كان نمو الأجور معتدلًا”.
التعريفة الجمركية
قالت كريستين لاجارد، رئيسة مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، إن “التعريفة الجمركية على السلع الأوروبية، التي ارتفعت بما يتراوح ما بين 3 و13%، كانت تضر النظرة المستقبلية للاقتصاد الأوروبي بالفعل”.
وأضافت أن “التصاعد الشديد لتوترات التجارية العالمية يصحبه قدر كبير من انعدام اليقين، والذي قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي بسبب تراجع الصادرات”، مؤكدةً أن ذلك قد يؤدي أيضًا إلى “تدهور الاستثمارات والاستهلاك”.
تابعت لاجارد: “خفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة يعكس الثقة في تباطؤ التضخم وتزايد مخاطر النمو الناجمة عن الرسوم الجمركية، والتي من المتوقع أن تؤثر سلبًا على الطلب”.
وتخلى البنك المركزي الأوروبي عن الموقف “التشديدي” – تبني مستويات مرتفعة من الفائدة مع استمرار بيع الأصول – للسياسة النقدية، مشددًا على اتباع نهج مرن يعتمد على البيانات الاقتصادي في اتخاذ أي قرار مستقبلي.
واتضح ذلك جليًا عندما أسقط عبارة “تشديدي إلى حدٍ كبيرٍ” من بيان الفائدة الصادر الخميس، مما بعث بإشارات إلى الأسواق تتضمن إمكانية استمرار خفض الفائدة في الفترة المقبلة. ويتوافق ذلك مع توقعات الأسواق التي تشير إلى أن أمام البنك المركزي متسع لخفض الفائدة مرتين قبل نهاية 2025 25 نقطة في كل منهما.
وأكدت كريستين لاجارد أن “أغلب مؤشرات التضخم ترجح أن الأسعار في طريق العودة إلى هدف التضخم الرسمي المحدد بـ2.00% بخطى ثابتة على المدى المتوسط”.
النمو والتجارة العالمية
حذرت لاجارد من أن “التعريفة الجمركية تعتبر صدمة لمعدلات الطلب” التي يتوقع أن تتراجع بسببها، مؤكدةً أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تؤثر سلبًا على النمو من خلال ضعف الصادرات، وتراجع الاستهلاك، وتدهور الاستثمارات.
وحذرت من أن المصدرين في منطقة اليورو “يواجهون معوقات تجارية جديدة”، وأنه على الرغم من أن نطاق هذه المعوقات لا يزال غير واضح، فإن الاضطرابات في التجارة الدولية وانعدام اليقين الجيوسياسي المتزايد يثقلان كاهل الاستثمارات بالفعل.
وأضافت أن الإنفاق الاستهلاكي قد يتأثر أيضا وسط إحجام الأسر عن الشراء مع سيطرة تدهور معنويات السوق وزيادة التوترات في أسواق المال.
ورغم بيئة الاقتصاد العالمي التي تزداد هشاشة، قالت لاجارد إن اقتصاد منطقة اليورو أظهر بعض المرونة في أوائل 2025. وأشارت إلى أن نشاط قطاع التصنيع يشهد بعض الاستقرار، ومن المرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول.
وقالت لاغارد: “قوة سوق العمل، وارتفاع الدخل الحقيقي، وتأثير سياستنا النقدية، من شأنها أن تدعم الإنفاق”.
كما أشارت إلى “مبادرات سياسية مهمة على المستوى الوطني ومستوى الاتحاد الأوروبي” مثل الاستثمار في الدفاع والبنية التحتية، والتي قالت إنها ستعزز التصنيع، وهو اتجاه تدعمه بيانات استطلاعات الرأي الأخيرة.
وقالت: “عندما تضخ 800 مليار يورو – أو ما يقارب تريليون يورو – في الاقتصاد، فهذا ليس بالأمر الهين. إنه دافع قوي، وله تأثير ملموس، لا سيما على النمو”.
المصدر: noortrends