للمرة الأولى خلال خمسة أعوام، قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصـري، خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 225 نقطة أساس بما يعادل نحو 2.25 في المئة إلى مستوى 25.00 في المئة و26.00 في المئة و25.50 في المئة على الترتيب. كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 225 نقطة أساس ليصل إلى 25.50 في المئة.
وقبل قرار اللجنة، كان سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة يبلغ نحو 27.25 في المئة و28.25 في المئة على الترتيب، فيما يبلغ سعر العملية الرئيسة للبنك المركزي والائتمان والخصم 27.75 في المئة.
ولم تتغير أسعار الفائدة منذ الزيادة القياسية البالغة 600 نقطة أساس التي أقرها البنك المركزي خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية في مارس (آذار) عام 2024 تزامناً مع تعويم الجنيه والاتفاق على حزمة قرض أكبر من صندوق النقد الدولي بعد ذلك بمدة وجيزة. ومنذ رفع أسعار الفائدة في مارس من العام الماضي، قامت لجنة السياسة النقدية بتثبيت أسعار الفائدة خلال سبعة اجتماعات متتالية حتى اجتماع أبريل (نيسان) الحالي لتعلن إنهاء دورة التشديد النقدي.
نشاط قوي للصناعات التحويلية غير البترولية
ووفق بيان البنك المركزي المصري، وعلى الصعيد العالمي، أدى عدم اليقين في شأن آفاق النمو الاقتصادي والتضخم إلى تبني البنوك المركزية في بعض اقتصادات الأسواق المتقدمة والناشئة نهجاً حذراً إزاء المسار المستقبلي للسياسة النقدية. وبينما يظل النمو الاقتصادي مستقراً إلى حد كبير، من المتوقع أن تؤدي التطورات الأخيرة في التجارة العالمية إلى خفض التوقعات بسبب المخاوف من اضطراب سلاسل التوريد وضعف الطلب العالمي.
وانخفضت أسعار النفط بصورة ملحوظة نتيجة عوامل مرتبطة بجانب العرض وتوقعات بتراجع الطلب العالمي وسط استمرار حال عدم اليقين في شأن السياسات التجارية. في الوقت نفسه، شهدت أسعار السلع الزراعية الرئيسة، بخاصة الحبوب، تقلبات ناجمة عن الاضطرابات المناخية. ومع ذلك، لا يزال التضخم عرضة للأخطار الصعودية، بما في ذلك تفاقم التوترات الجيوسياسية واستمرار الاضطرابات في التجارة العالمية نتيجة تصاعد السياسات الحمائية.
أما على الصعيد المحلي، فتفيد المؤشرات الأولية للربع الأول من عام 2025 بتعافي النشاط الاقتصادي على نحو مستدام للربع الرابع على التوالي، إذ تجاوز معدل النمو النسبة البالغة 4.3 في المئة المسجلة خلال الربع الرابع من عام 2024. وجاء نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الرابع من 2024 مدفوعاً أساساً بالمساهمات الموجبة للصناعات التحويلية غير البترولية والتجارة والسياحة.
ومع ذلك تشير تقديرات فجوة الناتج إلى أن النشاط الاقتصادي الفعلي لا يزال دون طاقته القصوى على رغم النمو المستمر طوال عام 2024. ومع ذلك من المتوقع أن يصل النشاط الاقتصادي إلى طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وعليه، فإن تقديرات فجوة الناتج الحالية تدعم الاتجاه النزولي المتوقع للتضخم على المدى القصير، إذ من المنتظر أن تظل الضغوط التضخمية محدودة من جانب الطلب في ظل التقييد النقدي الحالي.
أدنى معدل للتضخم خلال 3 أعوام
وبالنسبة إلى التضخم السنوي، شهد الربع الأول من عام 2025 انخفاضاً ملحوظاً في التضخم بسبب التأثير المواتي لفترة الأساس إلى جانب الأثر التراكمي للتقييد النقدي وتلاشي أثر الصدمات السابقة. وتحديداً، تراجع التضخم السنوي العام والأساس إلى 13.6 في المئة و9.4 في المئة في مارس 2025 على التوالي، وهو أدنى معدل للتضخم الأساس في ما يقارب ثلاثة أعوام. وبصورة رئيسة يعزى انخفاض المعدل السنوي للتضخم العام إلى تراجع التضخم السنوي للسلع الغذائية من 45.0 في المئة في مارس 2024 إلى 6.6 في المئة في مارس 2025.
وأظهر التضخم السنوي للسلع غير الغذائية تباطؤاً نسبياً في اتجاه الانخفاض، إذ تراجع من 25.7 في المئة في مارس عام 2024 إلى 18.9 في المئة في مارس 2025، بسبب استجابته المتأخرة للصدمات السابقة وتأثير إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة. إضافة إلى ذلك، بدأت التطورات الشهرية للتضخم منذ بداية العام بالاقتراب من نمطها المعتاد تاريخياً، مما يشير إلى تحسن توقعات التضخم.
وأدى الانخفاض الحاد في المعدل السنوي للتضخم العام بنحو 9.0 نقاط مئوية في الربع الأول من عام 2025، اتساقاً مع التوقعات، إلى تقييد الأوضاع النقدية بدرجة ملحوظة، مما أتاح مجالاً واسعاً لبدء دورة التيسير النقدي. وعلاوة على ذلك من المتوقع أن يستمر التضخم في الانخفاض خلال عامي 2025 و2026، وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالربع الأول من العام الحالي بسبب تأثير إجراءات ضبط الأوضاع المالية العامة المنفذة والمقررة لعام 2025، إضافة إلى تباطؤ وتيرة انخفاض تضخم أسعار السلع غير الغذائية.
أخطار من تجاوز إجراءات ضبط المالية العامة
ومع ذلك لا تزال توقعات التضخم عرضة للأخطار الصعودية في ظل احتمال تجاوز إجراءات ضبط المالية العامة تأثيرها المتوقع، فضلاً عن حال عدم اليقين في شأن تأثير الحرب التجارية الصينية- الأميركية الحالية والتصعيد المحتمل للصراعات الجيوسياسية الإقليمية.
ووفق المعطيات الحالية، ترى لجنة السياسة النقدية أن خفض أسعار العائد الأساس للبنك المركزي بواقع 225 نقطة أساس يعد مناسباً للحفاظ على سياسة نقدية ملائمة تهدف إلى ترسيخ التوقعات ودعم المسار النزولي المتوقع للتضخم. وستواصل اللجنة تقييم قراراتها حول فترة التقييد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والأخطار المحيطة بها وما يستجد من بيانات.
وأعلنت اللجنة استمرارها في مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة لتحقيق هدف استقرار الأسعار من خلال توجيه التضخم نحو مستهدفه البالغ سبعة في المئة.
توقعات بنمو الناتج المحلي بنسبة 4 في المئة
وقبل أيام رجح بنك "بنك ستاندرد تشارترد" أن يقوم البنك المركزي المصري بخفض معدل أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده نهاية الأسبوع الحالي. وفي مؤتمر صحافي قالت محللة اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان في البنك كارلا سليم إنه من المتوقع أن يكون الخفض بواقع 200 نقطة أساس بما يعادل نحو اثنين في المئة.
وأوضحت أن التقديرات تتجه لاستمرار تعافي الاقتصاد المصري بدعم من الاستثمارات وتباطؤ التضخم، وتوقعت تعافي معدل النمو ليصل إلى 4.5 في المئة بحلول عام 2026، وذكرت أن البيانات تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أربعة في المئة خلال العام الحالي 2025.
في السياق كانت مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" رجحت أن تدفع أسعار الفائدة الحقيقية لجنة السياسة النقدية إلى خفض أسعار الفائدة، ومن المفترض أن يتأرجح التضخم حول مستوى 13.5 في المئة على أساس سنوي على المدى القريب. وتقترب أسعار الفائدة الحقيقية من 14 في المئة، مما يوفر مجالاً لبدء دورة تيسير أسعار الفائدة.
في المقابل، فإن ارتفاع أسعار الوقود يصعب الأمور على اللجنة، إذ من المتوقع أن تؤدي الزيادة في أسعار الوقود أخيراً بنسب تراوح ما بين 11.8 و14.8 في المئة إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال الأشهر المقبلة، مما قد يدفع البنك المركزي إلى تبني نهج أكثر تحفظاً وتوخي الحذر في خفض أسعار الفائدة، حتى إن كانت لديه حالياً مساحة للمناورة.
فيما ترى وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن أسعار الفائدة ستنخفض على المدى البعيد إلى مستوى يتسق مع معدل حقيقي يقترب من أربعة في المئة بحلول نهاية العام المالي 2026/2025، مما يدعم الانخفاض السريع في كلف الفائدة على الديون (بالنظر إلى أن متوسط استحقاق الدين المحلي أقل من عامين)، فيما تتوقع "كابيتال إيكونوميكس" مزيداً من التخفيف خلال الفترة الباقية من العام الحالي، ليصل سعر الفائدة إلى 17.25 في المئة بحلول نهايته.
المصدر: independentarabia