قفز سعر عملة بيتكوين BTC صباح الإثنين إلى مستوى 87,700 دولار، مسجّلة أعلى قيمة لها منذ مطلع شهر أبريل، وذلك على خلفية تدهور مؤشر الدولار الأمريكي وتزايد التوتّر السياسي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. بعد تلميحات من الإدارة الأمريكية بإمكانية عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ما أثار مخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي. وقد أثار هذا التوتّر موجة من التحوّل نحو الأصول التي تُعدّ ملاذًا آمنًا، كالذهب و البيتكوين.
سجّلت العملة الرقمية الأكبر من حيث القيمة السوقية ارتفاعًا بنسبة 3%، لتعويض معظم الخسائر التي تكبّدتها إثر إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة في الثاني من أبريل، وهو الإعلان الذي أدخل الأسواق العالمية في دوّامة من الاضطراب.
تهديد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي يُشعل الأسواق ويُنعش بيتكوين
وقد جاء الارتفاع الحاد في قيمة بيتكوين متزامنًا مع اتّساع رقعة الجدل السياسي في الولايات المتحدة، إذ صعّد الرئيس دونالد ترامب من لهجته ضد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، منتقدًا ما وصفه بـ"تباطؤ" البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة رغم تراجع معدلات التضخم.
وفي تصريحات سابقة، قال ترامب:
"إذا أردتُ خروجه، فسيخرج بسرعة، صدّقوني".
مُعبّرًا بذلك عن عدم رضاه عن أداء باول، ومُوحِيًا بنيّته اتخاذ إجراءات قد تهدّد استقلالية الفيدرالي.
هذا التصعيد الكلامي أثار موجة من الترقب في الأوساط السياسية والاقتصادية، خاصة بعد أن ألمح كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، إلى أنّ ترامب يدرس قانونيًا إمكانية إقالة باول.
غير أنّ محللين قانونيين شدّدوا على أنّ القانون الأمريكي لا يجيز عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي إلا لأسباب محددة تتعلق بسوء السلوك أو العجز، ولا تشمل الخلافات السياسية أو التوجّهات النقدية.
وقد أكّد باول بدوره تمسّكه باستقلالية المؤسسة النقدية، معلنًا أنه لن يستقيل حتى في حال طُلب منه ذلك.
من جهته حذّر أوستان غولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، من أنّ أي محاولة لعزل باول قد تُقوّض مصداقية البنك المركزي وتفتح الباب أمام التدخلات السياسية في السياسة النقدية، وهو ما من شأنه أن يزعزع ثقة المستثمرين في استقرار النظام المالي الأمريكي.
الدولار في مهبّ الريح و الذهب يعزّز موقعه كملاذ آمن
في ظلّ هذه التصريحات المتضاربة، شهدت الأسواق المالية تقلبات حادّة، إذ تراجع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، بينما ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة.
تراجع مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ يناير 2024، مع تزايد عمليات بيع الدولار من قبل صناديق التحوّط في سوق الفوركس، مما أدى إلى انخفاض المؤشر إلى مستوى 98.5، وهو أدنى رقم يُسجّل منذ أبريل 2022.
الرسم البياني لمؤشر الدولار
هذه التراجعات جاءت متزامنة مع ضعف السيولة في الأسواق خلال العطلة، ما زاد من حدّة التحركات في أسواق المال، وفقًا لتصريحات خبراء تداول العملات الرقمية.
بالتوازي مع انتعاش بيتكوين، ارتفع سعر الذهب إلى مستوى قياسي جديد بلغ 3,382 دولار للأونصة، محققًا مكاسب سنوية تجاوزت 28% حتى تاريخه.
ويُفسّر هذا الارتفاع بالإقبال المتزايد على الأصول التي توفّر التحوّط ضد التضخّم في أوقات الغموض السياسي والنقدي.
محللون : موجة جديدة من الاضطرابات في الأسواق المالية
عبّر العديد من كبار المستثمرين وخبراء الاقتصاد عن خشيتهم من أن تؤدّي هذه المواجهة إلى موجة جديدة من الاضطرابات في الأسواق العالمية.
وفي هذا السياق، صرّحت السيدة تشارو تشانانا، كبيرة المحللين الاستثماريين في "ساكسو بنك" بسنغافورة، قائلة: "الأسواق تعاني بالفعل من وطأة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والقلق يتزايد حاليًا من احتمال تدخل ترامب في سياسة الفيدرالي، ما قد يضيف طبقة جديدة من الغموض."
وأضافت: "أي إشارات إلى ضغوط سياسية تُمارس على السياسة النقدية قد تُقوّض استقلالية البنك المركزي، وتُعقّد المسار المستقبلي لأسعار الفائدة، في وقت يبحث فيه المستثمرون عن الاستقرار وسط تقلبات عالمية متزايدة."
يرى ماركوس ثيلين، مؤسّس منصة "10x Research"، أنّ القفزة المفاجئة في بيتكوين تعود إلى الانخفاض الحاد في الدولار الأمريكي، إلى جانب ارتفاع الذهب بنسبة 2% في اليوم نفسه. واعتبر أنّ التهديد الذي يلوّح به ترامب بشأن إقالة جيروم باول يمثّل العامل المحرّك الرئيسي لهذا الاضطراب، وليس التصريحات المتفائلة بشأن اتفاق تجاري محتمل مع اليابان.
من جهته، كتب السيد وين ثين، الرئيس العالمي لاستراتيجيات السوق في شركة "براون براذرز هاريمان"، في مذكرة تحليلية:
"نعتقد أن مسار ضعف الدولار سيستمر. فالهجوم على استقلالية الفيدرالي يزداد حدة، والاعتراف بأن هذا الأمر قيد الدراسة بحد ذاته ينبغي أن يُؤخذ بجدية قصوى، ويُعد مؤشرًا سلبيًا بالغ الخطورة."
ويأتي هذا الجدل في وقت بالغ الحساسية، حيث يواصل المستثمرون ترقّب تحركات الاحتياطي الفيدرالي وسط سعيه لترويض التضخم دون إغراق الاقتصاد في ركود، بينما تعكّر السياسة الخارجية الأمريكية والمواقف الشعبوية آفاق الاستقرار المالي.
يبدو واضحًا أنّ الأسواق العالمية، وعلى رأسها أسواق العملات الرقمية، أصبحت أكثر حساسية تجاه التحوّلات السياسية في واشنطن.
ففي ظل غموض المصير الذي ينتظر باول، واحتمال زعزعة استقلالية المؤسسة النقدية الأهم في العالم، يجد المستثمرون أنفسهم مضطرين إلى التحوّط عبر الذهب وبيتكوين، اللذين عادا ليتصدّرا مشهد الأصول الأكثر طلبًا في أوقات القلق.
المصدر: beincrypto