تراجعت العقود الآجلة للمؤشرات الأميركية والدولار يوم الإثنين، بعد أن أثار انتقاد الرئيس دونالد ترمب للاحتياطي الفيدرالي مخاوف جديدة بشأن استقلالية البنك المركزي الأميركي.
وتعرض الدولار لضغوط واسعة النطاق بعدما كشف كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، أن ترمب يدرس ما إذا كان يمكنه إقالة رئيس الفيدرالي جيروم باول. وأفاد متعاملون بأن صناديق التحوط سارعت إلى بيع الدولار رداً على ذلك.
وارتفع الذهب، الذي يتحرك عادةً بعلاقة عكسية مع الدولار، إلى مستوى قياسي جديد. في المقابل، تراجعت عوائد سندات الخزانة، وانخفضت العقود الآجلة لمؤشري "إس آند بي 500" و"ناسداك 100". كما صعد الين الياباني إلى أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ سبتمبر، ما أدى إلى تراجع المؤشرات اليابانية بأكثر من 1%.
وكان ترمب كتب الأسبوع الماضي عبر منصاته الاجتماعية: "إقالة باول لا يمكن أن تأتي قريباً بما فيه الكفاية!"، تعبيراً عن إحباطه من رفض الفيدرالي خفض أسعار الفائدة. ويرى محللون مثل كريستوفر وونغ أن مهاجمة الفيدرالي لا تهدد فقط مبدأ استقلالية البنك المركزي، بل تزعزع ثقة الأسواق في سياسة أميركا النقدية.
وقال وونغ، وهو خبير استراتيجيات فوركس لدى بنك "أوفر سي تشاينيز" (Oversea-Chinese) في سنغافورة: "بصراحة، فكرة إقالة باول أمر يصعب تصديقه. لكن إذا تم التشكيك في مصداقية الفيدرالي، فقد تتآكل الثقة في الدولار الأميركي بشكل خطير".
ضغوط على الدولار
يشير انخفاض الأصول الأميركية إلى أن التجارة التي كانت شائعة في السابق، والتي تُركز على "أميركا أولاً"، أي شراء الأصول التي تحقق أرباحاً عندما يتفوق أداء الولايات المتحدة، بدأت تنعكس بعد أن صعّد ترمب حملة الرسوم الجمركية، مما أضرّ بسوق سندات الخزانة الأميركية، وأدى إلى خسارة تريليونات الدولارات من الأسهم العالمية.
كان الدولار بالفعل تحت ضغط بعد أن فرض ترمب الرسوم الجمركية، مع تراجع مؤشر قوة العملة لثلاثة أسابيع متتالية.
سجل مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري انخفاضاً بنسبة 0.5%، فيما كتب وين ثين، رئيس استراتيجيات الأسواق في بنك "براون براذرز هاريمان" (Brown Brothers Harriman): "نعتقد أن ضعف الدولار سيستمر. الهجوم على استقلالية الفيدرالي يتصاعد، وحتى مجرد الاعتراف بأنه قيد الدراسة يجب أن يُؤخذ على محمل الجد وبشكل سلبي للغاية".
وصرّح ترمب لاحقاً للصحفيين أنه "يمكنه عزل باول إذا أراد ذلك"، دون أن يوضح ما إذا كان ينوي حقاً اتخاذ تلك الخطوة، أو فقط يتطلع إلى نهاية ولاية باول المقررة في مايو 2026.
وحذر رئيس الفيدرالي في شيكاغو أوستان غولسبي من محاولات تقويض استقلالية البنك المركزي، قائلاً في مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، إن "هناك إجماعاً شبه كامل بين الاقتصاديين على أن الاستقلال النقدي للبنك المركزي عن التدخل السياسي أمر بالغ الأهمية".
سجلت الأسهم الأميركية خسارة أسبوعية وسط خيبة أمل من رفض الاحتياطي الفيدرالي لفكرة دعمه الأسواق. وقالت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، إن الفيدرالي قد يُبقي على أسعار الفائدة لفترة أطول من المتوقع، بسبب مخاطر التضخم، ولكنه قد يُخفضها لاحقاً هذا العام.
كما حذر وزير المالية الفرنسي إريك لومبارد من أن ترمب سيُعرّض مصداقية الدولار للخطر ويُزعزع استقرار الاقتصاد الأميركي، إذا أقال باول.
تحول في التدفقات العالمية بعيداً عن أميركا
وسط هذه الاضطرابات، قال "دويتشه بنك" إن عملاء صينيين خفضوا حيازاتهم من سندات الخزانة الأميركية لصالح ديون أوروبية. وذكرت ليليان تاو، رئيسة قسم مبيعات الأسواق الناشئة في البنك، أن السندات الأوروبية عالية الجودة، وسندات الحكومة اليابانية، والذهب، باتت من بين الخيارات البديلة للمستثمرين.
هذا الأسبوع، تترقب الأسواق نتائج محادثات الرسوم الجمركية، خاصة بعد ما وصفه ترمب بـ"تقدم كبير" في المحادثات مع اليابان، حيث قال إنه "واثق جداً" من التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي أيضاً.
لكن الوضع مع الصين لا يزال غامضاً، بعد أن أشارت بكين إلى عدة شروطٍ للموافقة على إجراء محادثات مع الإدارة الأميركية.
كما أعلنت وزارة التجارة الصينية رفضها الشديد لإبرام أي اتفاقات تجارية على حساب مصالحها، وذلك رداً على سعي الولايات المتحدة لإقناع دولٍ أخرى بتقييد التبادلات الاقتصادية والتجارية مع الصين.
وهددت واشنطن بزيادة الرسوم على الصادرات الهندية من 10% إلى 26% إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال فترة التهدئة البالغة 90 يوماً، فيما وصل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إلى نيودلهي يوم الإثنين لبحث الملف التجاري.
مؤشرات مبكرة لأثر الرسوم
هذا الأسبوع سيشهد نشر مؤشرات مديري المشتريات من اليابان، وأوروبا، والولايات المتحدة، ما يمنح الأسواق أول لمحة منسقة عن النشاط الصناعي والخدمات منذ بدء تطبيق رسوم ترمب في 2 أبريل، والتي لا تزال جزئياً معلقة، كما يُتوقع صدور استطلاعات رأي للأعمال في الاقتصادات الرئيسية.
وظهرت أولى العلامات التحذيرية من كوريا الجنوبية، حيث تراجعت قيمة الشحنات المعدلة بنسبة 5.2% في أول 20 يوماً من أبريل مقارنة بالعام الماضي.
على صعيد الأرباح، تبدأ هذا الأسبوع إعلانات نتائج شركات "العظماء السبعة" (أبل، إنفيديا، أمازون، ألفابت، ميتا، مايكروسوفت، تسلا)، مع ترقّب خاص لتقارير شركتي "تسلا" و"ألفابيت".
في سوق الطاقة، انخفضت أسعار النفط مع تزايد المخاوف من أن الحرب التجارية بقيادة أميركا ستضعف الطلب العالمي على الطاقة، مما دفع المتعاملين إلى اتخاذ مراكز أكثر حذراً.
المصدر: asharqbusiness